كتبت منذ فترة عن احتضار واغتيال السياحة العلاجية فى مصر وطردها لصالح الأردن وتونس وإسرائيل، تحدث معى أطباء كثيرون فى هذا الموضوع وحكوا لى عن شجونهم وألقوا باللوم على وزارة الخارجية وأجهزة الأمن، وأنا مقدر جداً الجهد الرهيب الملقى على عاتق الأجهزة الأمنية، ومقدر جداً مستلزمات وقواعد وعبء الحرب على الإرهاب خاصة على الحدود الليبية، وأنا أخصص الحديث عن ليبيا لأنها صارت هى سوق أو ملجأ السياحة العلاجية لمصر وتقريباً الملجأ الوحيد الآن بعد أن ابتلعت الأردن ولبنان والإمارات سوق الخليج وبعد أن بدأت تونس فى ابتلاع الجزء الليبى، حكى لى الصديق د.باسل الزرقانى أستاذ الروماتزم ود.هشام الخياط أستاذ الكبد عن متاعب المريض الليبى مع تأشيرة الدخول إلى مصر، إنهاك وجهد ومضايقات وتأجيل وملل وتربص، وفرق كبير بين أن تحافظ على أمنك وأن تعزل نفسك فى صوبة خرسانية فولاذية، والأمن وفلسفته هى أن تدقق نعم وتفرز نعم وتتحسب نعم، لكن أن تأخذ كما يقولون العاطل بالباطل وتتبع سياسة «الباب اللى يجيلك منه الريح سده واستريح» فهذا خطأ، ليس معنى أن فرداً قد وقفت فى زوره قطعة لحم ومات مختنقاً أن نمنع اللحوم ونعدم الجزارين، ليس معقولاً أن نحرم مريضة ليبية تعدت السبعين من العمر من متابعة علاجها الخاص بالروماتويد خاصة وهى معها كل التحاليل والروشتات التى أجرتها وكشفت بها فى مصر من قبل، كل هذا بحجة الأمن وتحت لافتة محاربة الإرهاب، على عينى وراسى محاربة الإرهاب ولكن التمييز مطلوب والفرز واجب والحس الأمنى ذكاء وحصافة قبل أن يكون فزعاً ورعباً، ليس من الذكاء والحصافة أن نلطع رجلاً عجوزاً من ليبيا جاء لمتابعة حال كبده لأنه ليبى فقط، نقول بالبلدى «اللى مايشوفش من الغربال الأمنى يبقى أعمى»، والحالة واضحة، والوقت فيها عامل حاسم، والزهق وارد، وتونس أقرب وفيها دكاترة برضه، والعجوز الليبى ليس فدائياً لكى يحارب من أجل علاجه فى مصر وفى النهاية حيقول «بناقص مصر بلاها مصر وأروح أتعالج إن شالله فى إسرائيل أكيد حاخف على إيديهم»!! ونظل نحن نفتش فى الأوراق وندعبس فى النوايا وبالطبع بإيقاعنا الواقع فى الواقع إلى أن يموت المريض بفعل الملل أو بفعل المرض، هذه السياحة العلاجية التى نحاربها من الداخل وبأبناء وطننا لا يستفيد منها الطبيب فقط ولكن يستفيد منها الفندق وصاحب السوبرماركت وسائق التاكسى الغلبان ومالك الشقة المفروشة... الخ، يا جماعة لازم تفهموا أن الدنيا واقفة وعجلة السياحة والاقتصاد مخرومة خرم باتساع ثقب الأوزون ومش نافع فيها اللحام ولا بد من فتح أى باب رزق حلال للناس، والسياحة لا تحتاج إلى ماكينات أو دولارات، هى فقط تحتاج إلى مخ وحسن تصرف واتساع أفق، ندعو الله أن يهبنا إياها.